هناء الحمادي (أبوظبي)

يكتشفون طبيعة القمم الجبلية، يتحدّون وعورة أوديتها، ليعيشوا مغامرة العمر، فيتماهون مع تفاصيل الطبيعة بكل أمزجتها غير آبهين بعقباتها، متخطين كل قوانينها حتى يصلوا إلى ذروة تحدّيها.
إنهم أعضاء فريق «يولو الإمارات» الذين تمكنوا من تسلق قمة جبل «البروس» في روسيا بنجاح، وهي أعلى قمة في جبال القوقاز بروسيا وأوروبا، رغم ما واجهوه من صعوبات خلال تلك المغامرة، وفي عام 2016، استطاع فريق «يولو» الصعود إلى قمة بركان «آيسلندا»، كأول فريق خليجي عربي يحقق هذا الإنجاز، وذلك خلال رحلة استغرقت 4 أيام.

حب المغامرة
عبد الرحمن العامري، وصديقه جاسم آل علي، قائدا فريق يولو الإمارات، لم يكن جبل البروس هي المغامرة الأولى بالنسبة لهما، بل خاضا الكثير من القمم الجبلية الثلجية من أجل حب المغامرة وتحدي الصعاب، وإثبات قدرتهم على التحدي والتغلب على الأجواء الصعبة، للوصول إلى القمم.
يقول عبد الرحمن العامري «البروس تُعد إحدى القمم السبع الشهيرة، ويصل ارتفاعها إلى 5642 متراً، وتحتل المرتبة العاشرة عالمياً في قائمة أعلى الجبال، وتقف قمة البروس كبرج مراقبة في جبال القوقاز بين أوروبا وآسيا، وتتميز برحابتها وبقمّتيها البركانيتين، ومع ذلك يجد هواة التسلق غير المحترفين ملاذهم في هذه القمة».

أعراض المرتفعات
وأضاف جاسم آل علي: «البروس يعتبر أعلى نقطة في أوروبا، لكنه ليس مجرد جبل، بل هو جبل بركاني، وعلى الرغم من بساطته، فإن التسلق قد يكون مثيراً جداً، فالطقس لا يمكن التنبؤ به، حيث إن تغيره من مشمس لطيف إلى ممطر متقلب يمكن أن يحدث في غضون ساعات، لذلك يجب على المتسلق أن يكون مستعداً تماماً لأي مفاجآت خلال الصعود».
وعن مسيرة الرحلة إلى جبل البروس في روسيا، يقول، «اعتاد الفريق أن يختار القمم الأكثر صعوبة والوعرة التي تحتاج إلى الكثير من العزيمة والإرادة، وبالفعل بعد دراسة تفاصيل جبل البروس وقع الاختيار عليه، رغم أنه ليس بالأمر الهين الوصول إليه لما يتعرض له المتسلق من العواصف الثلجية، حيث تصل نسبة الأكسجين لأقل من 25% عن مستوى البحر»، مشيراً إلى أن الغاية من هذه المغامرات تشجيع أبناء الإمارات على خوض مثل هذه الرحلات التي تساهم في اكتشاف أماكن ومناطق جديدة، وفتح مدارك مختلفة للإنسان.
ورغم أن الرحلة استغرقت 8 أيام، إلا أن بها الكثير من الصعوبات والتفاصيل، وهنا يذكرها جاسم، قائلاً «تعد هذه الرحلة من أصعب الرحلات التي قام بها فريق يولو، حيث الجبال المرتفعة والانحدار الشديد، فالأمر تطلب الحذر الشديد، فهي ذات زاوية حادة وثلوج تتجدد بشكل يومي، كما أنها ناعمة الملمس والمشي عليها صعب». ويضيف «ما يميز ثلوج جبل البروس أنها تكونت من مئات السنين، وبإمكان من يمشي عليها مشاهدة الأنهار، وهي تنهمر تحت أقدامه، لكن رغم ذلك استطاع فريق «يولو» خوض تجربة الصعود لجبل البروس في روسيا، ومواصلة المسير رغم تعرض البعض من مغامري القمم الجبلية الثلجية لـ«أعراض المرتفعات»، وغالباً ما تتمثل في ضيق التنفس، والحمى والهلوسة والإغماء والصداع، وألم بالعيون».

«نظام الطبقات»
وذكر جاسم أن هذه الرحلة تحتاج إلى الكثير من الملابس التي تسمى «نظام الطبقات» من أجل حفظ حرارة الجسم، فعلى من يقوم بهذه الرحلة أن يرتدي ملابس مصنوعة من الصوف، لحمايته من برودة الجو والعواصف الثلجية، خاصة على قمة جبل البروس التي تكثر فيها بشكل مفاجئ، لذلك الحذر واجب من المغامر أن يكون الجسم أكثر دفئاً ومحافظاً على طاقته من خلال تناول البطاطس واللحوم والفواكه لتعويض نقص الطاقة في الجسم.

اكتشاف الطبيعة
وعبّر علي إسحاق البلوشي، عن حبه لاكتشاف الطبيعة بكل تفاصيلها بحثاً عن جانب آخر من اكتشاف المعالم والتضاريس التي يعرف بها جبل البروس، لذا أراد أن يخوض هذه التجربة بكل ما بها من صعوبات، ويقول «تعد هذه التجربة الأولى لي، والغاية من تلك الرحلة هو الخروج من الجو الروتيني طوال العام، ما بين ضغوط العمل إلى المسؤوليات الملقاة عل عاتقي».
ويضيف «رغم قلة خبرتي في عالم مغامرات الصعود إلى القمم الجبلية، إلا أن خبرة الفريق والروح المعنوية العالية ساهمتا في نجاح التجربة، ولم أهتم ببرودة الجو، حتى استطعنا الوصول إلى مستوى 4800 متر».
ويتابع «بمناسبة عام زايد، استطاع فريق يولو الصعود إلى هذا المستوى من القمة»، موضحاً أن هذا هو الإنجاز الأول الذي يفتخر به في حياته، ويتمنى تكرار تلك المغامرة التي تعد تحدياً حقيقياً للإنسان، الأمر الذي زاد من ثقتي بنفسي.

استعداد نفسي
رغم أنها لم تكن التجربة الأولى لي، إلا أني أراها مختلفة تماماً من حيث طبيعة المكان والتضاريس، هذا ما قاله أحمد المنصوري الحاصل على ماجستير أمن المعلومات، موضحاً أن الصعود إلى القمم ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج إلى الكثير من الاستعداد الذهني والنفسي والصحي، وأخذ الحذر من الصعوبات التي قد تواجه المتسلق، وتعد هذه الرحلة الثانية له مع الفريق بعد الصعود إلى قمة كلمنجارو، ورغم أن طبيعة الرحلة الأولى تختلف كثيراً عن جبل البروس من حيث حالة الجو وشدة الانحدار وبرودة الجو وتضاريس الجبل المغطى كلياً بالثلج الذي يسبب الانزلاق، وطبقة الجو المحيط بالجبل والتي تختلف تماماً عن الجبال الأخرى، إلا أن ذلك لم يمنعه من خوض التجربة مع الفريق ومواصلة المشوار.
ويتابع «خلال الصعود واجهتنا عاصفة ثلجية، إلا أن إصرار الفريق ساعده على الاستمرار والسير بروح وطاقة عالية، بعد أخذ قسط من الراحة وتناول فطائر المربى والبيض والشوفان الذي يمتاز بأنه يمد الجسم بالطاقة». ويبين المنصوري أن تسلق القمم الثلجية يحتاج إلى ارتداء ملابس خاصة لحماية الجسم من البرد، كما أن هناك أيضاً معدات مختلفة لمثل هذه الرحلات، مثل الحذاء الخاص بالثلج الذي يمنع دخول الماء إلى الأقدام، موضحاً أنه خلال الرحلة عانى الإصابة بالحمى.

طموح الوصول
راشد الزعابي تخصص طب طوارئ في مستشفى راشد، لديه اهتمام آخر أيضاً في الطب البري وحب المغامرة واكتشاف الطبيعة بجمالها، الأمر الذي دفعه للمشاركة في تجربة الصعود إلى جبل البروس، بعد أن خاض تجربته الأولى بقمة كلمنجارو، ويقول «تستهويني مثل تلك المغامرات، لكن لم أعلم من أين أبدأ إلى أن تعرفت إلى فريق يولو الإمارات الذي له باع طويل في تسلق الجبال واكتشاف الطبيعة ووديانها.
ويقول الزعابي، «برغم قضاء 8 أيام من الرحلة صعوداً ونزولاً، ومشياً على الأقدام ورغم الصعوبات التي واجهت الفريق من شدة العاصفة الثلجية وبرودتها القارسة، ورغم شعوري بالصداع وأعراض المرتفعات التي بدأت واضحة عليَّ مع نقص الأكسجين، إلا أن طموح الوصول جعلني أصر على متابعة المسير مع الفريق، وسط سرعة رياح تراوحت بين 60 و70، ودرجة حرارة وصلت إلى 50 تحت الصفر، وهذا التحدي والإصرار هو ما يتمتع به الفريق، والذي ساهم بشكل كبير في التحدي، ومواصلة السير للقمة.

تجربة مختلفة
سيف سعيد الكتبي، الحاصل على ماجستير الإدارة التنفيذية، والعاشق للمغامرة، بدأت تجربته في عالم المغامرات خلال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يعشق استكشاف الغابات والتخييم فيها خلال عطلات نهاية الأسبوع.
ويقول، «تجربتي في تسلق الجبال بدأت العام الماضي بتسلق قمة جبل كلمنجارو، والتي كان لها وقع كبير على نفسي، حيث مررنا بتحديات وضغط نفسي وجسدي كبير تخلله مناظر خلابة ومتعة لا توصف، وهذا دفعني للمشاركة في رحلة تسلق قمة جبل البروس التي كانت تجربة مختلفة بتحديات جديدة لها طابعها الخاص.